الأحد، 31 يناير 2010

طريق الموت والهلاك

كاظم فنجان الحمامي



على الرغم من أنهم قالوا قديماً (اختر الصديق قبل الطريق) إلا أنك ستقرأ هنا معلومة عجبية عن السكة التي ستدفعك لاختيار الطريق قبل الصديق، لأنك لو ركبت السيارة وتوجهت إلى مدينة أم قصر, وسرت في الطريق المؤدي إليها من دون تركيز وانتباه لن تجد الوقت لا للطريق ولا للصديق. وربما تصاب بصدمة كبيرة إذا علمت إن هذا الطريق المرعب تلتقي عنده الخطوط البحرية الآسيوية والأوربية والإفريقية. ويتمتع بموقع جغرافي واقتصادي متميز, لأنه الشريان الرئيس الذي يربط جميع المحافظات والمدن العراقية بموانئنا الكبرى, وعلى الرغم من كل هذه الخصائص الفريدة, إلا إن أهلنا في البصرة يسمونه (طريق الموت) أو (سكة الهلاك).




وربما ينفطر قلبك, وتموت من القهر إذا علمت انه يعد من اعقد واخطر وأصعب وأتعس الطرق البرية في عموم العراق, فليس ثمة طريق في العراق أو العالم يحوي من المطبات والتصدعات والتشققات والانهيارات والتجاويف والمنخفضات ما يحويه الطريق المؤدي إلى مدينة أم قصر ومدينة خور الزبير, فهو من اشد الطرق البرية وعورة. وأكثرها تموجا. وفيه من الأخاديد العميقة, والخنادق الطولية والعرضية, ما يكفي لإرباك حركة عربات النقل وسيارات الشحن, وجعلها تتمايل في مسيرها, وتترنح في مشيها, فتراها تتأرجح بزوايا حرجة. قد تفقدها توازنها. فتنقلب بحمولتها, أو تتدحرج بركابها. وتتكرر مشاهد حوادث الشاحنات المحملة بالحاويات والمعدات الثقيلة يوميا. وقد تنجم عنها خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات, أما سيارات الصالون الصغيرة فأنها تعتبر من الضحايا اليومية التقليدية للطريق الذي صار مقبرة لها.




شعور بالانزعاج وعدم الارتياح ينتاب كل من يركب هذا الطريق. فالحوادث المأساوية المتكررة زادت من حدة التذمر والاستياء عند الذين اعتادوا على سلوك هذا الطريق, أثناء توجههم من والى مواقع أعمالهم. ما أدى إلى تزايد حالات الغياب, وتزايد التخلف عن الدوام الرسمي عند الموظفين العاملين في ميناء أم قصر, أو خور الزبير, أو العاملين في معامل الأسمدة الكيماوية والحديد والصلب, ومحطة توليد الخور. واضطرت الشاحنات الكبير للسير بسرعات سلحفاتية, لتفادي الانقلابات المحتملة الناجمة عن اختلال التوازن, وتضطر أحيانا للسير خارج الطريق, والابتعاد عن خنادقه وتموجاته المهلكة, وازدادت حالة الطريق سوءا وتدهورا من يوم إلى آخر. حتى صار من أخطر الطرق وأكثرها تعقيدا. فهو غير صالح للمرور, ويفتقر إلى ابسط مستلزمات السلامة, ولا توجد فيه أنوار كاشفة, ولا لافتات تحذيرية, ولا علامات إرشادية أو مرورية. باستثناء بعض اللافتات الدعائية الكبيرة الملونة للكتل السياسية المرشحة لخوض معركة الانتخابات القادمة.




وارتفعت وتيرة حوادث انقلاب السيارات والشاحنات. وتصاعدت نسبة الوفيات. ولا خيار أمام الناس سوى المرور بهذا الطريق المخيف, الذي مازال يهددهم ويتوعدهم, ويتحدى عجلاتهم. فتراه يتلوى امامهم كأفعى استوائية متمردة, ويتموج كبحر إسفلتي غاضب. ومازال يتوعدهم بوقوع المزيد من المآسي والكوارث المرورية المروعة, والخاسر الأكبر في هذه الحوادث المأساوية المتكررة هو نحن جميعا من دون استثناء, وسيستمر الوضع على ما هو عليه, ما لم تبادر الجهات المعنية بتنفيذ مشروع صيانة هذا الطريق الإستراتيجي, وتعيد تأهيله لضمان تقليل وتيرة الحوادث التي حصدت أعدادا هائلة من أرواح الأبرياء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التعليقات :
لا تذهب وترحل بدون ان تضع بصمتك هنا وترد على الموضوع